حماس واسباب الفشل في قيادة النظام السياسي الفلسطسني

غسان المصري
مدير مركز كنعان للاعلام والدراسات

لم يكن الانقلاب الدموي ( العسكري المسلح ) الذي قامت به حركة حماس في قطاع غزه سوى نتيجه لتراجعها وعجزها في العمل السياسي ، وفشلها في قيادة النظام السياسي الفلسطيني ، بعد نجاحها باغلبية ساحقه في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (المحرمه والمرفوضه سابقا ) وتشكيلها حكومه شرعيه حمساويه بدون مشاركة فصائل وقوى منظمة التحرير التي قادت النضال الوطني الفلسطينني طوال اربعين عام ، وانفردت حركة حماس في السلطه التي رفضتها سابقا لانها كا نت سلطة اوسلو (الخيانيه ) حسب حكمها السابق ، واصبحت بين ليلة وضحاها سلطه وطنيه مقاومه لمجرد وصول حماس الى سدتها بينما لم يحدث أي تغيير او تطورعلى صلاحياتها ولا على مكوناتها ولا حنى على سيادتها منذ نشوءها لغاية تربع حماس على سدتها مما يستدعى التغيرات الدراماتيكيه والسريعه في المواقف السياسيه والوطنيه لحركة المقاومه الاسلاميه .

مع استلام السلطه اعلنت حماس ان لديها برنامج سياسي مبدع يجمع بين استمرارها بالمقاومه كما كانت وهي بالمعارضه ، وممارسة السلطه باساليب جديده وسياسات تحقق الاصلاح والتغير وامكانيات تحقق النجاح للشعب الفلسطيني ، وتلبي جميع احتياجاته وتوفر متطلبات صموده واستمراره بالمقاومه ، وتجاهلت ان الجمع بين السلطه والمقاومه امر مستحيل ومحكوم بالفشل الذريع والسريع ، لان السلطه قائمه على التزامات وتعهدات نصت عليه اتفقات اوسلو التي رفضتها وحرمتها، وان نسفها يعني انهاء السلطه وفرض الحصار على الشعب الفلسطيني وخسارة التاييد العربي والدولي للقضيه الفلسطينيه ، وكان الجمع بين السلطة والمعاضه من الاسباب التي ادت الى فشل حماس في قيادة النظام السياسي ، لانها ارادة القفز عن حقائق ومعطيات للواقع الفلسطيني ، حيث لايمكن الجمع بين السلطه والمعارضه والمقاومه واصرت على ممارسة السياسه والحكم حسب رغباتها ومصلحتها الحزبيه ، ورفضت دعوات النصح والتحذير من هذا النهج المغامر والمحكوم بالفشل .

بعد انفراد حماس في قيادة النظام السياسي واستلامها سلطه اوسلو ( كما اطلقت عليها سابقا )، عملت على تفعيل موقفها القديم الجديد برفضها اعتبار منظمة التحرير الفلسطسنيه المرجعيه السياسيه العليا للشعب الفلسطيني قي جميع اماكن تواجده ، وتغافلت عن حقيقة ان المنظمه هي التي وقعت اتفاقات نشوء وقيام السلطه التي استلمتها ، وكذلك تجاهلت اقرار المجتمع الدولي بموكوناته الرسمية ( كدول) ومؤسسات اهلية ورسميه ، بان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وتتعامل معها على انها القياده السياسيه التي تمثل اعلان قيام الدوله الفلسطينيه الذي اعلنه المجلس الوطني الفلسطيني ( دورة الانتفاضه ) في الجزائر عام 88 ونتج عنه اعتراف 120دوله بهذا الاعلان ودعمه عمليا ، بتحويل مكاتب التمثيل الى سفارات رسميه للتمثيل الدبلوماسي لفلسطين .

بعيدا عن العواطف والانحياز الحزبي والسعي للاستئثار بالسلطه ، لابد من التاكيد على اهمية الوعي السياسي والوطني في تفنيد وتقييم مثل هذه المواقف (مواقف حماس ) التي رفضت ولا تزال ترفض الاعتراف بمنظمة التحريركمبادىء واهداف وبرنامج سياسي والتي ينظر اليها جميع الخبراء والمحلين السياسيين بنظور سياسي ووطني محايد ، على انها لاتخدم المصلحه الوطنيه الفلسطينيه ولا قضية الشعب الفلسطيني الذي ناضل وضحى ، وقدم الالاف من قوافل الشهداء والجرحى والاسرى على مدار الاربعين سنه الماضيه من اجل تحقيق مثل هذا الانجاز السياسي والوطني ، وانتزع بنضاله اعتراف العالم بشرعية تمثيل نضاله الوطني وحقوقه المشروعه ، بعدما كان ينظر للشعب الفلسطيني على انه مجموعه من اللاجئيين والارهابيين ، الامر الذي يدعو الى مطالبة حماس بمراجعة حساباتها وتغيير المعايير والمحددات والدوافع التي تبني عليها هذه المواقف ، وقياسها بمعيار المصلحه الوطنيه الفلسطينيه وليس معيار المصلحه الحزبيه ، او معيار امتلاك السلطه والاستئثار بها والادعاء بانها الوحيده الشرعيه الممثله للشعب الفلسطيني بالداخل والخارج.

نتيجة لهذه المواقف والسياسات فرض الحصار على الشعب الفلسطيني ، وجمدت العلاقات العربية والدوليه مع القياده السياسيه للشعب الفلسطيني على مستوى الحكومه والرئاسة ايضا ، وتوقف الدعم السياسي والمادي وشهدت الاوضاع الفلسطينيه تدهور وتراجع خطير وشلل كامل اصاب جميح نواحي الحياه الاقتصادية والصحية والتعليمية والاجتماعيه واصبحت سلطة حماس عاجزه عن فعل شيء ، مما دفع بعض الدول العربيه وعلى راسها السعوديه الى التحرك والضغط على حماس من اجل انهاء حالة الاستئثار بالسطه ،وتوقيع اتفاق مكه على اساس الوفاق الوطني وتشكيل حكومة الوحده الوطنيه التي تخرج الشعب الفلسطيني من دائرة الخطر والانتحار ، وتجاوبت حماس مع هذه الجهود لانها ادركت فشلها وعدم قدرتها على الاستمرار بالانفرد بالسلطه وجمعها بين السلطه والمعارضة والمقاومه ، واعتقدت انها بحاجه الى القشه التي تنقذها من الغرق ، لكن التيار المتعصب والمنغلق في حماس رفض بشده موضوع الشراكه السياسيه ، واستغل اتفاق مكه وحكومة الوحده التي تشكلت ، واعد مخطط الانقلاب على مشروع الشراكة السياسيه بقوة السلاح وحدث الانقلاب الدموي الذي استكمل القضاء على الشرعيه السياسيه المنتخبه للنظام السياسي الفلسطيني وفرض من جديد الحكم العسكري الحمساوي على قطاع غزه .
من خلال الاستعراض الموضوعي والموجز لمواقف وسياسات حماس منذ نجاحها بالانتخابات التشريعيه ولغاية الان يمكن تحديد الاسباب التي جعلت حركة حماس تفشل في قيادة النظام السياسي الفلسطيني والتي تمثلت في :_
1- رفضها وعداءها لمنظة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطسني والتنكر لنضالاتها وانجازاتها والتشكيك بوطنيتها والسعي لتكون البديل لها ، بدلا من مشاركتها في استكمال تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني .
2- توجه حماس وتمسكها الانفراد بالسلطه والاستئثار بها ، ورفضها مشاركه فصائل منظمة التحرير في السلطه ، وخرقها لاتفاق مكه ، الذي جسد الوحده الوطنيه ، وحقق الوفاق الوطني الذي حظي باجماع فلسطيني وعربي .
3- لجوء حماس الى ضرب النهج الديمقراطي الذي اوصلها للسلطه والانقلاب عليه وتكريس نهج التغيير بقوة السلاح والاقتتال ،من خلال الانقلاب العسكري والدموي الذي قامت به في غزه مما ادى الى تدمير بنية امؤسسات السلطه الشرعيه الرسمية والاهليه ، وما لحق ابناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزه من معانات وويلات نتيجه لفرض الحكم العسكري وهيمنة حماس على غزه .
4- رفض حماس وتحديها لمواقف معظم الدول العربيه التي سعت وحاولت انقاذها من التوغل في الفشل السياسي وارتكاب المزيد من الاخطاء المدمره للقضيه الفلسطينيه ، الامر الذي فقدت فيه حماس علاقاتها مع الدول العربية وكذلك الاوروبيه واعتقدت انها تمارس السياسه والحكم مع نفسها فقط وانها النموذج المميز والناجح في قيادةالنظام السياسي الفلسطيني.

ان توغل حماس في هذا النهج سيقودها الى المزيد من التدهور والانهيار والتفكك ،وسيجعلها مجرد تجربه فاشله في العمل السياسي والنضالي ، حيث آن الاوان لمراجعة وتقييم مواقفها وسياساتها ، وتنحية القيادات المتطرفه والمتعصبه التي لاتمتلك القدرة والتجربه والخبره في ممارسة السياسه والحكم لان الوضع الفلسطيني لم يعد يتحمل المزيد من الاوهام والمراهقه السياسيه.



__._,_.___